شاجن مقالاتيمقالاتي

جَدَائِلُ الضَّوْءِ وَثَوْبُ الْأَمَلِ

حُبُّ الأَبْنَاءِ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَشَاعِرَ تُزْرَعُ فِي القَلْبِ، بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الرُّوحِ، وَدَمٌ يَجْرِي فِي العُرُوقِ، وَنَبْضٌ يَخْفِقُ بِأَسْمَى مَعَانِي الحَيَاةِ.

الكاتبة / فايزة حامد
                                     جَدَائِلُ الضَّوْءِ وَثَوْبُ الْأَمَلِ

مُنْهَكَةٌ، لَكِنَّنِي لَا أَسْتَسْلِمُ… أَخِيطُ مِنْ تَعَبِي جَدَائِلَ الضَّوْءِ، أَنْسُجُهَا بِخُيُوطِ الْأَمَلِ، وَأَغْزِلُ مِنْ رِقَّةِ قَلْبِي رِدَاءً أَحْمَرَ، يُعَانِقُ مَسَائِي بِعِطْرٍ لَا يَبْهَتُ. أُرَتِّبُ أَنْفَاسِي بَيْنَ غَفْوَةٍ وَأُخْرَى، وَأَبْحَثُ عَنْ دِفْءٍ لَمْ يَغِبْ، عَنْ صَوْتٍ يَسْكُنُ الذَّاكِرَةَ وَلَا يَرْحَلُ.

حِينَ نَامَتْ، وَيَدَاهَا مُزَخْرَفَةٌ بِإِبَرِ الْمُغَذِّيَاتِ، شَعَرْتُ أَنَّ اللَّيْلَ صَارَ أَثْقَلَ… مَالَ رَأْسِي عَلَى كَتِفِ أَحْزَانِي، مُتْعَبًا، مُشْتَاقًا، فَوَجَدْتُنِي أَرْحَلُ مَعَ طَيْفِهَا، أُلَاحِقُ ضَحِكَاتِهَا الَّتِي لَمْ تَذْبُلْ، أَسْمَعُهَا كَأَنَّهَا قَادِمَةٌ مِنْ ضَوْءٍ بَعِيدٍ، قَرِيبٍ… كَأَنَّهَا تَحَلِّقُ فَوْقَ أَلَمِي، تُرَبِّتُ عَلَى رُوحِي بِرِقَّةٍ، وَتَمْسَحُ دَمْعَاتِي بِلُطْفٍ يُشْبِهُهَا.

يَا لِهَذَا الطَّيْفِ الَّذِي لَا يَشِيخُ… كَيْفَ يَحْضُرُ لِيُضِيءَ ظَلَامِي؟ كَيْفَ يُعِيدُنِي إِلَى الْحَيَاةِ كُلَّمَا اقْتَرَبْتُ مِنَ الْهَشَاشَةِ؟ كَيْفَ يَجْعَلُنِي أَخِيطُ مِنْ تَعَبِي جَدَائِلَ الضَّوْءِ، وَأَغْزِلُ مِنْ حَنِينِي ثَوْبًا لَا يَهْتَرِئُ؟

فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، شَعَرْتُ أَنَّ الصَّمْتَ لَمْ يَعُدْ صَامِتًا، بَلْ صَارَ نَغْمَةً دَافِئَةً، تَعْزِفُهَا الذِّكْرَى بِحُنُوٍّ عَلَى أَوْتَارِ الْفَقْدِ… نَظَرْتُ إِلَى حَيْثُ غَابَتْ، فَوَجَدْتُهَا لَمْ تَغِبْ، بَلْ تَخَلَّلَتْ أَنْفَاسِي، تَسَلَّلَتْ بَيْنَ نَبْضَاتِي، هَمَسَتْ لِي:

مَا زِلْتُ هُنَا، بَيْنَ ضِحْكَتِكَ الَّتِي تُحَاوِلُ أَنْ تُولَدَ، وَبَيْنَ دُمُوعِكَ الَّتِي لَمْ تَفْقِدْ بَرِيقَهَا بَعْدُ.

عِنْدَهَا، شَدَدْتُ خُيُوطَ الضَّوْءِ أَكْثَرَ، غَزَلْتُ بِهَا حُلْمًا جَدِيدًا، وَارْتَدَيْتُ الْأَمَلَ مِنْ جَدِيدٍ… وَرَفَعْتُ رَأْسِي نَحْوَ السَّمَاءِ، فَوَجَدْتُهَا تَبْتَسِمُ لِي مِنْ بَيْنِ النُّجُومِ، تُضِيءُ دَرْبِي كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ دَوْمًا، وَكَأَنَّهَا تَهْمِسُ:

أَنَا هُنَا… حَيْثُمَا كَانَ حُبُّكَ، سَأَكُونُ.

وَبَيْنَ نَبْضِي وَحَنِينِي، شَعَرْتُ أَنَّ الْهَوَاءَ صَارَ أَكْثَرَ دِفْئًا، وَكَأَنَّ يَدَيْهَا لَا تَزَالَانِ تُدَاعِبَانِ خُصَلَاتِ شَعْرِي، تَزْرَعَانِ فِيَّ قُوَّةً لَا تُوصَفُ… عِنْدَهَا، أَيْقَنْتُ أَنَّ الْحُبَّ لَا يَمُوتُ، بَلْ يَتَحَوَّلُ إِلَى نُورٍ يَسْكُنُ الْأَرْوَاحَ، إِلَى ظِلٍّ يَحْنُو، وَإِلَى أَنْفَاسٍ نَسْمَعُهَا فِي صَمْتِ الْأَيَّامِ…

فَيَا طَيْفَهَا، كُنْ كَمَا كُنْتِ دَائِمًا… غَيْمَةً لَا تُمْطِرُ حُزْنًا، بَلْ تُغْدِقُ عَلَيَّ بِنُورِهَا، حَتَّى أَتَعَلَّمَ كَيْفَ أَخِيطَ مِنْ تَعَبِي قَمَرًا، وَأَغْزِلَ مِنْ دَمْعِي شَمْسًا لَا تَغِيبُ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى