بعد غياب 12 سنة… أخيراً التقيتُ بحبيبتي

بقلم الكاتب: سيّار عبدالله الشمري
اثنا عشر عاماً مضت منذ أن طويتُ آخر صفحة في دفتر أعمالي بشركة أرامكو السعودية، مودّعاً تلك الممرات والمكاتب والوجوه التي شاركتني رحلة امتدت لثلاثة وعشرين عاماً.
تقاعدت مبكراً، لكن ذكرياتي لم تتقاعد لحظة واحدة. بقيت حاضرة في الذاكرة، تنبض بين الحين والآخر، كأنها تقول لي: ما زلنا هنا… لم نغادر.
اليوم، وبعد غيابٍ طويل، عدتُ إلى أسوار الشركة لحضور اجتماع عمل. وما إن اقتربتُ من البوابة حتى شعرت بأن شيئاً في داخلي يهتز… مشاعري تراقصت، نبض قلبي تسارع، وكأن الزمن يعود بي فجأة إلى الوراء.
أوقفت سيارتي أمام رجل الأمن، ألقيت عليه التحية، فردّ بابتسامة قائلاً: “تفضل”. وفي تلك اللحظة بالتحديد، مرّ أمام عيني شريط ذكريات ممتد… 23 سنة من العمل، من البذل، من التحديات، ومن خدمة هذا الوطن الغالي.
دخلت المواقف، ركنت سيارتي، ونزلت منها متأملاً المكان الذي لطالما كان جزءاً من يومي. نظرت إلى المبنى الذي احتضن قصصنا، نجاحاتنا، ضغوطنا، أحلامنا، وحتى لحظات الضعف التي كنا نخرج منها أقوى. مبنى أعرف تفاصيله كما أعرف خطوط يدي… مبنى يختزن من الذكريات ما لا يمكن لسنوات الغياب أن تمحوه.
تقدّمت نحو الباب الرئيسي، وما إن انفتح الباب الأوتوماتيكي أمامي حتى باغتتني تلك الرائحة… رائحة لا تشبه أي شيء آخر. كانت تستقبلني كعادتها، تملأ الممرات وتسبق الخطوات… تلك الرائحة التي كانت تفتتح صباحاتي لأكثر من عقدين من الزمن.
نعم… إنها رائحتها. رائحة قهوة أرامكو.
في تلك اللحظة فهمت أنني لم أعد فقط إلى الشركة… بل عدت إلى جزء من روحي. عاد إليّ ذلك الشعور الدافئ الذي لا يمكن وصفه، الشعور الذي يجعل التفاصيل الصغيرة أكبر من كل شيء.
أتدرون من هي حبيبتي التي التقيت بها اليوم بعد غياب 12 سنة؟
إنها قهوة أرامكو… حبيبتي التي كانت ترافقني كل صباح، وتسبقني إلى مكتبي، وتشهد على بدايات يومي في تلك السنوات الطويلة. رائحتها لم تفارقني يوماً، حتى حين غادرت الشركة، بقيت عالقة في الذاكرة، جزءاً من قصة لم تُكتب نهايتها بعد.
اليوم التقيت بها مجدداً… كانت كما عرفتها، دافئة، صادقة، تحمل معها كل ما فقدته في لحظات الغياب. واليوم أدركت أن بعض التفاصيل، وإن بدت بسيطة، تظلّ “أحبّ” الذكريات… لأنها ليست مجرد رائحة أو كوب قهوة، بل لأنها تختصر عمراً كاملاً من العطاء والانتماء والحب الحقيقي.
ويا لها من عودة… ويا له من لقاء.





