مقالات وآراء

دموع الشرقية: في وداع أميرها السابق محمد بن فهد

بقلم الكاتب: سيّار عبدالله الشمري

بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، ودّع الوطن، وبالأخص المنطقة الشرقية، سمو الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، أمير المنطقة الشرقية السابق، الذي انتقل إلى جوار ربه الأسبوع الماضي. كان خبر رحيله صدمة كبرى وفاجعة وطنية لكل من عرفه أو سمع عن سيرته العطرة، إذ كان رحمه الله نموذجًا للأمير القائد، المتواضع، القريب من الناس، الذي كرّس حياته لخدمة وطنه وأبناء منطقته.

ثلاثة عقود من القيادة والحكمة:

تولّى الأمير محمد بن فهد إمارة المنطقة الشرقية لمدة قاربت الثلاثة عقود، كان خلالها قائدًا استثنائيًا، استطاع أن ينهض بالمنطقة على مختلف الأصعدة، اقتصاديًا واجتماعيًا وتنمويًا. كان رجلاً عمليًا صاحب رؤية واضحة، حيث قاد مشاريع تنموية كبرى جعلت من المنطقة الشرقية نموذجًا يُحتذى به في التنمية والتطور. كان قريبًا من المواطنين، يشاركهم همومهم ويحرص على تلبية احتياجاتهم، فكان مجلسه مفتوحًا للجميع، يسمع لهم ويشاورهم ويقف معهم في أزماتهم.

دوره المحوري في حرب الخليج:

كان للأمير محمد بن فهد دور بارز ومحوري خلال حرب الخليج (غزو الكويت عام 1990)، إذ قاد المنطقة الشرقية في تلك المرحلة العصيبة بحكمة واقتدار. كانت كلماته نبراسًا لأبناء المنطقة، ورفع من معنوياتهم في وقت كان الخوف يخيّم على الجميع. لم يكن مجرد أمير يتابع من بعيد، بل كان في قلب الحدث، يُطمئِن الناس، ويقف على الاحتياجات، ويوجه الجهود لتأمين الاستقرار في المنطقة.

أتذكر جيدًا، وأنا أحد شهود العيان على تلك المواقف، عندما كنت أعمل في شركة أرامكو السعودية في رأس تنورة خلال تلك الفترة، كيف كان حضوره مصدر طمأنينة وثبات. لم يكن يتحدث من برج عاجي، بل كان قريبًا من الجميع، رجلًا يعيش هموم الناس، ويتفاعل مع الأحداث بكل إخلاص وولاء للوطن.

التواضع والقرب من الناس:

عُرف عن الأمير محمد بن فهد تواضعه الجمّ وقربه من المواطنين، فلم يكن بينه وبين الناس حواجز، وكان دائمًا يسعى إلى تلمّس احتياجاتهم. لم يكن يرضى بأن تكون القيادة منصبًا يُبعده عن الناس، بل جعلها وسيلة لخدمتهم والوقوف إلى جانبهم. هذه الصفات النبيلة جعلته محبوبًا بين أبناء المنطقة، الذين وجدوا فيه الأب الحاني، والأمير الحكيم، والقائد الذي لا يعرف الكِبر أو التعالي.

إرث خالد في قلوب الناس:

برحيله رحمه الله، فقدنا أميرًا أحبّ وطنه وأبناء منطقته بكل إخلاص، وترك إرثًا خالدًا من الإنجازات والمحبة. لم يكن مجرد أميرٍ تقلّد منصبًا رفيعًا، بل كان رمزًا للإنسانية والتفاني في خدمة الوطن. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة المنطقة الشرقية وفي قلوب أبنائها، الذين لن ينسوا أياديه البيضاء ومواقفه المشرفة.

وداعًا أبا تركي، وداعًا أيها الأمير المحبوب، إلى جنات الخلد والفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بكَتْكَ الشرقيةُ بحرها والرُّبى

وسَجى الحَزينُ وأُرهِفَ المَسموعُ

رحلْتَ ولكنَّ البقاءَ لذِكرِكَ

فالعَدلُ فيــكَ مشاعلٌ وشُموعُ

نمْ في رياضِ الخُلدِ فِعلُكَ طيّبٌ

والمكرُماتُ عَبيــرُها مَتبــــوعُ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com