طفل بعد ما كبر

أ/ سمير الفرشوطي – المدينة المنورة
في غمرة الحياة اليومية، بين ضغوط العمل ومسؤوليات المنزل، يجد المرء نفسه أحيانًا يلجأ إلى القيلولة هربًا من صخب الحياة. وفي إحدى هذه اللحظات الهادئة، وجدت نفسي أغوص في حلم عميق، حلم أعادني إلى طفولتي البريئة.
ذكريات الطفولة كنت طفلاً صغيرًا، أمشي بجانب والدي في أزقة الحي القديم. كانت الأزقة تنبض بالحياة والبساطة، تعكس روح زمن الطيبين. كنت أشعر بالانبساط والحرية، أتجول مع والدي وكأن العالم كله ملعب كبير. والدي، رحمه الله، كان حريصًا علي كل الحرص. كنت أراه ينظر حوله بعين يقظة، يتأكد من سلامتي في كل خطوة. وأنا، بفضولي الطفولي، كنت أغرقه بالأسئلة: ما هذا يا أبي
من صاحب هذا البيت
لماذا هذه الشجرة كبيرة جدًا
كان والدي يتحمل أسئلتي بصبر جميل، يجيب عليها واحدًا تلو الآخر، مغذيًا فضولي وحبي للمعرفة.
لحظة الخوف وفجأة، في غمرة استكشافي للعالم من حولي، ابتعدت قليلاً عن والدي. وفي تلك اللحظة، رأيت كلبًا يركض نحوي. شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبي، وبدأت بالبكاء.
الاستيقاظ استيقظت من الحلم فجأة، قلبي يخفق بسرعة. للحظة، نسيت أنني رجل بالغ. تلفت حولي بحثًا عن الكلب، وكأنني ما زلت ذلك الطفل الصغير الخائف.
التأمل الآن، وأنا رجل كبير لي عائلة، أجد نفسي أتأمل في تلك الذكريات. والدي، رحمه الله، قد رحل عن عالمنا، لكن ذكراه ما زالت حية في قلبي.
أدرك الآن كم كان حريصًا علي، وكم كان صبورًا مع فضولي الطفولي. هذا الحلم ذكرني بأن الطفل الذي كنته ما زال يعيش بداخلي.
رغم مرور السنين، ورغم المسؤوليات التي أحملها الآن، ما زال ذلك الخوف الطفولي يسكنني أحيانًا. لكنه أيضًا ذكرني بالحب والحماية التي كنت أنعم بها، وبالفضول الذي دفعني للتعلم واكتشاف العالم. في النهاية، أدركت أن هذه الذكريات، بحلوها ومرها، هي ما شكلت شخصيتي اليوم. وأن الطفل الذي كنته ما زال يناديني، يذكرني بأهمية الحفاظ على روح الاستكشاف والفضول، حتى في خضم مسؤوليات الحياة الكبيرة.