مقالات وآراء

مديرٌ فريد.. وركنٌ عميد

بقلم / حامد بن عبدالله العباسي*

ليس كل من جلس على مقعد القيادة قائدًا، ولا كل من حمل اللقب أهلًا له. فبعض المناصب تُثقل أصحابها، وبعض الأشخاص يخفّون بالمناصب حتى ترتقي بهم، وثمّة قلةٌ نادرة، إذا تقدّمت، تقدّمت القيم معها، وإذا أُشير إليها، أُشير إلى المعنى قبل الإسم.
هو مديرٌ تمشي الحكمة في ظلّه، ويأمن الرأي في ساحته. لايرفع راية السُّلطة، بل يرفع سقف الإنسانية؛ فيغدو المكان الذي يديره أشبه بسفينةٍ تعرف بوصلتها، لاتضيع باختلاف الرياح، ولا تنكسر بتعدّد الآراء.
عنده الخلاف إثراء، والنقد ترميم، والاختلاف حياة.
إذا تحدّث، لم يُثقل السمع، وإذا صمت، نطق من الفِعل.
يوزّع الثقة كما يُوزّع الضوء، فلا يُبقي زاوية في العتمة، ولايترك موهبة في الظل.
يفتح النوافذ للفكر كي يتنفّس، ويكسر الأقفال عن العقول، مؤمنًا أن الإبداع لايولد في الأسر، ولا يزدهر تحت الوصاية.
أما حِلمه، فبحرٌ لا تُكدّره حصاة رأي، ولا تُغرقه موجة نقد.
يستقبل الكلمة كما يستقبل الضيف: ترحيبًا، وإنصاتًا، وتقديرًا. يعلم أن القائد الذي لايسمع، أصمّ عن المستقبل، وأن الذي لايقبل النقد، يُعلن هزيمته أمام ذاته قبل غيره.
يمنح من حوله حرية التعبير كما تُمنح الأوطان: لاتُنتزع، ولاتُقيَّد، بل تُصان، فلا يتسلّط على فكرة، ولا يُصادر رأيًا، ولا يُنهي حوارًا إلا وقد اكتمل.
وهكذا تتحوّل القيادة من أمرٍ يُفرض، إلى أثرٍ يُزرع، ومن سلطةٍ تُخشى، إلى قدوةٍ تُحتذى.
وفي زمنٍ ازدحمت فيه الأصوات وقلّت البصائر، ينهض هذا النموذج شاهدًا على أن الأخلاق ليست خطابًا يُلقى، بل ممارسة تُعاش، وأن الرُّتب إن لم تتكئ على القيم، صارت أثقالًا لا أوسمة.
رجلٌ إذا قاد، قاد بالعدل، وإذا أنصت، أنصت بالحكمة، وإذا أدار، أدار القلوب قبل الملفات.
ذاك هو المدير الفريد، وذلك هو الرُّكن العميد.
وفي المحصّلة، فإن الحديث عن هذا النموذج القيادي ليس ترفًا أدبيًا، ولا مجرّد ثناء عابر، بل هو توثيق لقيمةٍ تستحق أن تُروى، وتجربةٍ جديرة بأن تُقدَّم مثالًا في زمنٍ أحوج ما يكون إلى قادةٍ يُديرون بالعقل، ويقودون بالأخلاق، ويصنعون الأثر قبل الصورة.
إنها شهادة تُكتب للتاريخ وللأجيال، لا للمجاملة لكي تُقال، وتُكتب للإنصاف، لا للمبالغة؛ لأن القيادات التي تجمع بين الرتبة والمسؤولية، وبين الحكمة والإنسانية، هي وحدها القادرة على بناء المؤسسات وصناعة الوعي واستدامة الإبداع.
وحين يبلغ القول منتهاه، لا بد للإسم أن يُقال، لا تعريفًا، بل اعترافًا:
إذْ يبقى سعادة العميد الركن عبدالله بن قمشع القحطاني، مدير نادي ملتقى المبدعين الثقافي، نموذجًا يُحتذى، ودليلًا حيًا على أن القيادة حين تُمارَس بضميرٍ حي، تتحوّل من مجرد منصبٍ أو مسمى إداري إلى رسالة وطنية وثقافية مستمرة.

https://x.com/Hamed3basi

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com