شاجن مقالاتيمقالاتي

لاتدخلي…!

الخيانةأوجهها الفلسفية والتاريخية وتأثيرها الاجتماعي

الكاتب / علي بن خضر الثبيتي

لاتدخلي …!!
يقول جبران خليل جبران :
“عندما أصابتْ الرصاصةُ قلبي لم أمتْ.. لكنني متُّ لما رأيتُ مطلقها”
الخيانة هي انتهاك الثقة و خرق للوعد أو الالتزام الذي تم التعهد به لشخص آخر.
والخيانة مادية أومعنوية ، وتتخذ أشكالاً وصوراً متعددة على مستوى فردي أوجماعي.
تقودها عوامل متباينة ، نفسية أو اجتماعية :
*ضعف الوازع الديني.
* الأنانية والمصلحة الذاتية
* الضعف البشري.
* الحاجة إلى التقدير والاهتمام.
*الانتقام.
*إشباع الرغبات ( المادية أوالنفسية).
و”الخيانة، من منظور فلسفي، ليست مجرد فعل سلبي أو خطأ أخلاقي، بل هي مفهوم معقد يرتبط بالحرية، المسؤولية، والمصلحة الشخصية. يمكن النظر إليها من زوايا متعددة، مثل الأخلاق، السياسة، والعلاقات الإنسانية؛
فالخيانة ككسر للثقة
فالفلاسفة الأخلاقيون مثل إيمانويل كانط يرون أن “الخيانة فعل غير أخلاقي بطبيعته لأنها تنتهك مبدأ الوفاء بالوعود والواجبات. في نظر كانط، الأفعال يجب أن تكون قائمة على مبادئ عالمية، والخيانة تقوض الأساس الأخلاقي الذي تقوم عليه العلاقات الإنسانية.”
والخيانة والواقعية السياسية؛
فالواقعيون السياسيون مثل نيكولو مكيافيلي “قد يعتبرون الخيانة أداة ضرورية أحيانًا لتحقيق مصلحة الدولة أو الحاكم. فالمكيافيلية تبرر استخدام الخداع والخيانة إذا كانت تؤدي إلى استقرار السلطة أو تحقيق غايات سياسية أكبر.”
الخيانة والحرية الفردية؛
الفيلسوف جان بول سارتر، من منظور الوجودية، يرى أن “الخيانة تعبير عن الحرية الشخصية، حتى لو كانت نتائجها سلبية. فالإنسان مسؤول عن اختياراته، وإن كان ذلك يعني كسر ولاءاته السابقة، لكنه يبقى مسؤولًا عن عواقب أفعاله.”
الخيانة كضرورة اجتماعية؛
عند النظر إليها من زاوية علم الاجتماع، “يمكن اعتبار الخيانة ظاهرة بشرية طبيعية تحدث نتيجة تغير المصالح والقيم. فالبشر يتطورون، وقد تتغير ولاءاتهم بناءً على الظروف الجديدة.”
ولعل المرء يفترض الخيانة – أحياناً- في موقف ما ، كماصوره الشاعر نزار قباني :
‎لا تدخلي .. لا
‎وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك
‎وزعمت لي ..
‎أن الرفاق أتوا إليك
‎أهُمُ الرفاق أتوا إليك ؟
‎أم أن سيدة لديك
‎تحتل بعدي ساعديك ؟
‎وصرخت محتدماً :
‎” قفي” !!
‎والريح تمضغ معطفي
‎والذل يكسو موقفي
كأنموذج على العلاقة بين طرفين نتيجة الصراع النفسي كما يرى فرويد”إن الخيانة غالبا هي نتاج لصراعات داخلية في الشخص الخائن ”
ومن أشهر الخيانات في العالم التي ساهمت في تغيير مجرى التاريخ ، وبُني عليها قرارا استراتيجيا، “كريستيان سنوك هورجونيه
‎كان سنوك من أوائل العلماء الغربيين الذين درسوا الإسلام وسافر إلى الحج في مكة، مما مكنه من جمع معلومات استخبارية تحت اسم “الحاج عبد الغفار”.
‎ استخدم معرفته بالثقافة الإسلامية لقمع مقاومة المسلمين في إقليم أتشيه في جزر الهند الشرقية الهولندية، وتمكن الهولنديون من ابتكار استراتيجيات لسحق المقاومة وفرض الحكم الاستعماري الهولندي في أتشيه مما أدى إلى مقتل ما يقرب من مائة ألف شخص..
‎فالخيانة كسِمة بشرية لاتقف على الأفراد بل قدتكون سِمَة جماعية كما يرى “الداعية الإسلامي المصري والباحث في شؤون التيارات الإسلامية الشيخ محمد دحروج، أن جماعة «الإخوان» المصنفة «إرهابية» عُرفت منذ نشأتها عام 1928 بالخيانة والعمالة، بل وصلت إلى الكذب والمتاجرة بالدين، وقامت بتغذية خطاب الكراهية والتطرف، واصفاً الجماعة بأنها «المرجع الشرعي للإرهاب»، وأنها لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية ولا بقيمة الأوطان.”
والخيانة تهدم وتقوّ ض البناء الاجتماعي ، وتنخر أسسه ، وتحرره من المصداقية ممايؤدي إلى فقدان الثقة، ومشكلات في العلاقات المستقبلية بين الأفراد والجماعات .
‎والخيانة ليست خيانة جسدية بالمفهوم الضيق – كماقد يتبادر إلى الذهنِ -إنَّما قد يتجلى الغدر بصور شتَّى منها ما يشير إليه أسامة بن منقذ في قوله:
ما بالملالَةِ حِينَ تَعرضُ مِن خَفا
إنْ لَم تَخُن فابلغ رِضاكَ مِن الجَفا
‎فاليأسُ مِنكَ إذا صَددَّتَ خيانةٌ
‎ وإذا مَلِلتَ رَجوتُ أن تَتَعطَّفَا
‎إني لأضعفُ عَن صدودِكَ سَاعةً،
‎وأرى قُواي عَن الخيانةِ أضْعفَا
أخيراً:
قالوا:”الحبّ كالزهرة الجميلة ، والوفاء هو قطرات الندى عليها، والخيانة هي الحذاء البغيض الذي يدوس على الزهرة فيسحقها.”

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى