مقالات وآراء

جنوح الرغبات :رحلة الإنسان بين الحرية والضابط

بقلم أ٠ فاطمة الحربي :

تُعد الرغبات محركًا أساسيًا في حياة الإنسان، فهي القوة التي تدفعه للسعي وراء أحلامه، وتحقيق طموحاته، واكتشاف ذاته. لكن، ماذا يحدث عندما تخرج هذه الرغبات عن مسارها الطبيعي وتتحول إلى “جنوح”؟ إن جنوح الرغبات هو تلك الحالة التي تتجاوز فيها الرغبة حدود التوازن، لتصبح هاجسًا يسيطر على العقل والسلوك، أو انحرافًا يهدد استقرار الفرد والمجتمع.

* في جوهرها، الرغبات ليست شرًا بطبيعتها، بل هي طاقة حيوية تحتاج إلى توجيه. فمثلاً، رغبة النجاح قد تتحول إلى طمع لا يشبع، ورغبة الحب قد تنحرف إلى هوس مرضي. هنا تكمن المفارقة: الرغبة التي تبدأ كمصدر إلهام قد تنتهي كأداة تدمير إذا لم تُحكم بضابط أخلاقي أو عقلاني.

* التاريخ يشهد على ذلك، فقد دفع جنوح الرغبات قادة إلى حروب مدمرة، وأفرادًا إلى هاوية الإدمان أو الانحراف. لكن في المقابل، عندما يُروّض الإنسان رغباته، يصنع منها جسورًا للإبداع والتقدم. فالفنان الذي يحول شوقه إلى لوحة، والعالم الذي يسخر فضوله لاختراع، هما نموذجان للرغبة الموجّهة.

* في عصرنا الحالي، حيث تتزايد المغريات وتتسارع وتيرة الحياة، يصبح ضبط الرغبات تحديًا أكبر. التكنولوجيا، على سبيل المثال، تضخم الرغبات عبر إغراءات لا نهائية، مما يجعل الانضباط الذاتي ضرورة ملحة. فكيف يمكن للإنسان أن يحقق التوازن؟ ربما تكمن الإجابة في الوعي؛ أن يعرف المرء حدوده، وأن يسأل نفسه دائمًا: هل هذه الرغبة تخدمني أم تستعبدني؟

* في النهاية، جنوح الرغبات ليس قدرًا محتومًا، بل هو اختبار لإرادة الإنسان. بين الحرية المطلقة والتقييد الصارم، يبقى الخيار الأمثل هو الاعتدال، حيث تتحول الرغبة من قيد إلى جناح يرتفع به الإنسان نحو آفاق أعلى.

وفي الختام 

اجدني محاطة ببعض الجانحين 

وتراهم امامك بصورة مثالية مغايرة 

لواقعهم ، تكشفهم افعالهم حتماً

لا محالة ، أجبرتنا الحياة أن نعايشهم

كاتبة رأي واعلامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى