الدكتور أحمد عبدالغني الثقفي 

حين يفتقدك أحد… المعنى العميق لرغبة الإنسان في سماع صوت من يحب

الدكتور احمد الثقفي

تنبع قيمة الإنسان في حياة الآخرين من أثره، ومن تلك المساحات الصغيرة التي يترك فيها دفئه دون أن ينتبه. وفي عالم يمتلئ بالضجيج والسرعة والمهام المتراكمة، تبقى لحظة الاشتياق لصوت شخصٍ معيّن من أصدق المؤشرات على مكانته داخل القلب. حين يخبرك أحدهم بأنه يريد سماع صوتك قليلًا، قد لا تدرك في اللحظة ذاتها ما يعنيه ذلك الطلب؛ لكنه في الحقيقة يكشف عن مساحةٍ من الأمان والراحة والسكينة التي تمثلها أنت في حياته.

الصوت… ذاكرة عاطفية تتحرك دون وعي

صوت الإنسان ليس مجرد موجاتٍ تُسمع، بل أثرٌ نفسي يتجاوز حاسة السمع ليصل مباشرة إلى مناطق الشعور.

صوتك قد يرتبط في ذهن شخصٍ ما بالطمأنينة، بالسكون، بمساحةٍ يجد فيها ذاته، أو ربما بعلاقةٍ إنسانية تمنحه شعور الانتماء.

وحين يطلب سماعه، فهو لا يطلب حديثًا طويلًا، بل يطلب تلك اللحظة التي يختبر فيها توازنه الداخلي، وكأن صوتك يعيد ترتيب فوضاه.

لماذا لا نعرف قيمتنا في قلوب الآخرين؟

أغلب البشر يقللون من قيمة وجودهم دون قصد.

قد تظن أن حضورك عابر، أو أن كلماتك بسيطة، أو أن صوتك أمرٌ عادي؛ بينما يكون تأثير ذلك كلّه على غيرك بالغ العمق.

ما نراه نحن كـ”ثوانٍ” تعني للآخرين “سعادة”، وما نظنه نحن تفصيلًا بسيطًا قد يكون عند غيرنا حياة كاملة.

تلك الجملة في الصورة:

“لا تسأله لماذا، فأنت لا تعلم حجم السعادة التي تساويها تلك الثواني بالنسبة له”

هي تلخيص لمفهومٍ نفسيّ كبير:

قدرتنا على جعل الآخرين يشعرون بالارتياح دون أن ندرك.

المشاعر غير المُعلنة… الجزء الأصدق في العلاقات

العلاقات الإنسانية الحقيقية لا تُبنى على كثرة الكلام، بل على الصدق.

أن يشتاق أحد لصوتك دون مناسبة، دون حاجة، ودون سبب واضح؛ فهذا يعني أن العلاقة تجاوزت الحدود التقليدية.

هذا الشعور لا يُختلق، ولا يُجامل، ولا يُصطنع.

يخرج تلقائيًا من صميم النفس، لأنه مرتبط بالراحة، والأمان، وربما بالحب… أيًا كان نوعه.

الصوت كوسيلة تواصل تتجاوز البعد المادي

علم النفس يؤكد أن “نبرة الصوت” قد تنقل مشاعر أكثر من الكلمات نفسها.

ففي الصوت دفء، وتعبير، وتنهيدة خفيفة، وارتجاف بسيط، ووقفة قصيرة… تفاصيل لا تراها العين لكنها تطرق أبواب القلب مباشرة.

هذا ما يجعل بعض الأصوات نعمةً في حياة البعض، حتى لو لم يكونوا بالقرب.

مشاعر الإنسان ليست منطقًا… بل حاجات قلبية

قد يتساءل البعض: لماذا يريد سماع صوتي تحديدًا؟

الحقيقة أن المشاعر لا تُفسَّر بالمنطق البحت.

هناك أشخاص تمنحنا أصواتهم راحةً لا نعرف سرها، لأن طبيعة العلاقة معهم تعتمد على الانجذاب النفسي لا على الأسباب العملية.

شعورٌ يشبه نسمة هواءٍ في وقت التعب، أو كوب قهوة في لحظة توتر… بسيط، لكنه مؤثر.

الحضور لا يُقاس بالزمن… بل بالأثر

قد يعتقد البعض أن السعادة تكمن في اللقاءات الطويلة، لكن الحقيقة أن بعض اللحظات القصيرة قد تصنع فرقًا أكبر.

ثوانٍ من صوتك قد تغيّر مزاج شخص، ترفع عنه ضيقًا، تخفف عنه ألمًا، أو تمنحه دفعةً للمواصلة.

وقيمة الإنسان تُعرف بأثره، لا بطول حضوره.

الخلاصة

إن رغبة أحدهم في سماع صوتك ليست حاجة ترفيهية، ولا طلبًا عابرًا.

إنها رسالة غير مباشرة تقول:

وجودك يحميني، صوتك يطمئنني، وحضرتك في حياتي ليست شيئًا عاديًا.

وكم من علاقاتٍ اكتشف أصحابها قيمتها من تفاصيل بسيطة كهذه؛

وكم من قلوبٍ ترتبط بنبرةٍ أكثر من ارتباطها بوجه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com